رحلــة يــاتيــر المسائــيـــة لــ (( أ.ب.يهوشواع ))

كتبت / إنجي يونس 

ملخص القصة :

تنكسر الحياة الروتينية لدى ابناء القرية بسبب هبوب رياح الشمال و قد كانت الحياة الروتينية تتمثل فى انتظار اهل القرية للقطار السريع الذى كان يمر امام القرية دون توقف الى ان جاءت زيفا ابنة القرية و طرحت فكرة ايقاف القطار على الراوى و بررت ذلك بانه من المحتمل حدوث عاصفة فى اليوم التالى و قد تكون – اى العاصفة – هى المتسببة فى تلك الحادثة امام الجميع .
و يتسم اهل القرية بالكاّبة و الحياة الروتينية المملة و الحقد و الغيرة و الكراهية و الشعور بالدونية . و بعد ان طرحت زيفا الفكرة على الراوى ذهبوا بها الى بردون سكرتير القرية و قد وافق عليها و ارشدهم الى مدير المحطة ارديطى ليطرحوها عليه ، فذهبوا له و طرحوها عليه و لكنه لم يوافق عليها و نفر منها ثم ذهبوا و و ذهب ايضا الى المفتش العام السيد قناءوت و قال له على الفكرة فأثنى علي صاحبها و وافق عليها . و من هنا بدأوا التخطيط لتنفيذ الفكرة و هو بعدم ذهاب ارديطى فى اليوم التالى ليغير مسار القطار . و قد حدث هذا بالفعل فلم يذهب ارديطى و لم يغير مسار القطار فذهب القطار الى الهاوية و سقط و نتج عن ذلك عدد كبير من القتلى و الجرحى - ضحايا الفكرة – و قد قام اهل القرية بمساعدتهم و تضميض جراحهم من اجل القيام بواجبهم الانسانى! و قد بحث بعد ذلك الراوى عن زيفا فوجدها نادمة باكية على ما حدث لركاب القطار و قد قامت زيفا بتوجيه اللوم على ارديطى لفعلته هذه !

الشخصيات :

1 – زيفا :

هى شخصية استقلالية تختلف عن باقى اهل القرية فى نظرتها للواقع و اسم زيفا يرمز الى الوضوح الذى فى شخصيتها .
و تفكير زيفا غير تقليدى فهى متمردة على الروتين و الحياة المملة و تتمرد على وضع الوجود الانسانى و تفكر فى مؤامرة مجنونة لتقوم بالتغيير .
يوجد عند زيفا ازدواجية فى الشخصية سواء فى عالمها الداخلى او فى مظهرها الخارجى .
اولا : عالمها الداخلى :
 نراها تفعل الشئ و نقيضه ، فهى تدبر لحادثة القطار و تسعى اليها من اجل كسر الروتين و عندما تحدث بالفعل تشعر بالذنب و الاسى لما حدث و تحزن على ضحايا القطار ، و نراها بعد طرحها لفكرة حادثة القطار تلقى باللوم على ارديطى الذى رفض الفكرة ، ذلك بالاضافة الى مساعدتها لضحايا حادثة القطار و توقفها عن مساعدتهم و تركهم من اجل ممارسة الرذيلة مع الرواى بجانب جثث الضحايا !!
ثانيا : مظهرها الخارجى :
هى بالغة الجمال و البهاء و لها القدرة على خطف الانظار اليها الا انها فى الوقت ذاته تثير الخوف و الرهبة فى النفوس .

2 – بردون :

هو سكرتير القرية و قد وصفت شخصيته فى اطار ساخر ، فوظيفته تجعله فى مركز العمل لكنه فى الحقيقة لا يفعل شئ سوى تدخين الغليون و يوصف بانه السكرتير المستقيم الفكر و السكرتير متعدد المواهب و كل هذه الاوصاف تأتى بالصورة الساخرة .
هو نموذج للخداع الذى يستخدم المنطق لاقناع الاخر بخداعه ‘ يخفى مشاعر الدونية و الظلم و الحقد بداخله .
يقوم بتفسير الحاجة الى عمل كارثة الى رغبة سكان القرية فى الاندماج فى العالم الخارجى ، فهو يعطى مبررًا اخلاقيا لعمل قمة فى الجرم فهو يرى انا رجال القرية ضعفاء و يشعرون بالقهر و الظلم و الدونية لذلك يلجأون الى هذا الفعل العنيف .
و لبردون نظرة اخلاقية مشوهة حيث يعتمد الانسان على استخدام العنف من اجل الانقاذ وفقا لمنظور بردون ! فهو يرى ان الاخر مسئول عن افعاله هو ، فهو يقوم باستخدام ارديطى لانه يعلم انه هو سيتحمل مسئولية فعلته بدلا عنه .
و اسم بردون يعنى بالفرنسية اسف  ، فهو هنا مستخدم للدلالة على انه كثير الاسف بهدف النفاق و ليس بهدف الندم على الفعل السئ ، حيث انه بطبعه مخادع يستخدم المنطق ليقنع الاخر بخداعه .

3 – ارديطى :

هو مدير المحطة يقوم بعمله يوميا فهو يبدل مسار القطار و قد جاء ايضا فى اطار ساخر فهو يوصف بانه مدير متعب و مرهق ذو قلق احمق و يتميز بالطاعة العمياء لرؤساؤه ، فهو اسير عمله حتى و لو تنافى عمله هذا مع مبادئه الانسانية ، فبالرغم من معارضته التامة لفكرة اسقاط القطار فى الهاوية الا انه قد قام بتنفيذها و ذلك طاعة لرؤساؤه ، و بذلك فقد تخلى عن مبادئه الانسانية من اجل اخلاصه لعمله !!!!

4 – السيد قنائوت :

لعل اهم ما فى تلك الشخصية رمزية الاسم حيث يشير الى الاله " اله غيور منتقم " و هى رمزية الوهية متطرفة متعصبة غاضبة ز و توصف هذه الشخصية فى النص الاصل للقصة بعدة صفات الهية ، فهو نادر الظهور غير انه كان فى مهب العاصفة و الرياح الشمالية و يتحكم بيد عليا و قوية ، و ظهوره فى العاصفة مقتبس من سفر حزقيال و ايوب .
و يتعارض و يتناقض موقفه من الفكرة " تدمير القطار " مع منصبه و شخصيته المعروفة ، فهو لا يرفضها بل يقوم بالاثناء على صاحب الفكرة و يسعى لتنفيذها و لا يوقفها . فضحايا القطار لا يعدوا شيئا بالنسبة له امام رغبته فى تدمير القطار و تنفيذ الفكرة ، لذلك فهو اله مدمر و غير جدير بان يحكم العالم و فى هذا نقد لازع للديانة اليهودية و فشلها فى اقامة اى اسس اجتماعية سليمة للمجتمع الاسرائيلى .

5 – الراوى :

يهر الراوى بضمير المتكلم فى القصة و هو بذلك يعلن عن وجوده و مشاركته فى الاحداث ، يحكى القصة من وجهة نظره و يسمح لنفسه بالتعليق على احداثها و تفسيرها ، يتخذ موقفا ايجابيا من الفكرة التى طرحتها زيفا بغرض الوصول لزيفا فهو يعمل من اجل مصلحته الشخصية فقط . و المصلحة الشخصية هى محور و اساس كل تصرفاته و يتضح ذلك من نهاية القصة فهو يستغل الوضع و انشغال الجميع فيما حدث و يطلب من زيفا تلبية رغباته .

·       و هنالك شخصيات هامشية فى القصة اضافوا لونا لها لتكتمل الاحداث و هم ركاب القطار " الضحايا " و سكان القرية الذين قتلوا ركاب القطار و ارتدوا بعدها الزى الملائكى .

السمات العامة للشخصيات :

·       ان جميع شخصيات القصة بلا استثناء تعانى من ازدواجية الشخصية .
·       تتسم الشخصيات بالشعور بالسادية و بالرغبة فى مملرسة تلك السادية على الاخر ، فهم محبون للسيطرة و التحكم فى مصير الاخرين و ليس فقط فى مصيرهم .
·       تستجيب جميع الشخصيات لشهواتها النفسية حتى و ان كانت مخالفة للمبادئ الانسانية .
·       تعانى شخصيات القصة من عدة امراض نفسية مثل الشعور بالدونية و القهر و الحقد و الكراهية و الغيرة و العزلة .
·       ان شخصية ارديطى و بردون و قنائوت جاءوا فى اطار ساخر على عكس شخصية زيفا و الراوى الذى غلب عليهما الحسم و الجدية .

* و نلاحظ هنا ان الشخصيات جميعها اساسية و تلك سمة من سمات القصة القصيرة ، و بذلك فقد التزم ا.ب يهوشواع بمركبات القصة القصيرة و صار على الطريق التقليدى الكلاسيكى لها .


الزمان :

لعب عامل الزمن دور كبير فى احداث القصة سواء زمن احداث القصة او زمن كتابتها و تأليفها .
فمن ناحية زمن احداث القصة فقد راعى ا.ب يهوشواع مكونات و اساسيات القصة القصيرة و لذلك فان احداث القصة كاملة تدور فى يوم واحد فقط .
و من خلال الكارثة التى حلت على القطار فقد قام سكان القرية و مديريها بخرق الزمن الروتينى بمعنى انهم لن يقوموا بانتظار القطار مرة اخرى بعد الان ، ذلك القطار الذى يأتى بانتظام فى مواعيد دقيقة و يمر على القرية فى لحظات محدودة منتظمة فقد وصل اهل القرية من شدة التزام القطار بزمن محدد يأتى فيه و يذهب الى درجة تقديسه .
بالاضافة الى هذا فان عنوان القصة " رحلة ياتير المسائية " و هنا استخدم ا.ب يهوشواع فترة المساء كعنصر اساسى فى قصته حيث يشير الى النهاية ، فالمساء يعد نهاية للاعمال و وقت للراحة و الهدوء .

اما من ناحية زمن تأليف القصة ، فقد تم تأليفها فى عام 1963 م اى بعد اقامة اسرائيل بحوالى 15 سنة و هى مدة كافية ليكتشف الفرد الاسرائيلى الواقع و ما يدور حوله من احداث . و كما نعلم فان اغلبية من هاجر الى اسرائيل قد اصيبوا بازمة اخلاقية حيث اصطدموا بالواقع المرير ، فبعد ان كان شعب مظلوم اصبح هو الشعب الظالم و ذلك يعد نتيجة لما فى نفوسهم و اعتقادهم باهم اقل من غيرهم و احساسهم بالدونية و الحقد و الغيرة و الكراهية العمياء فلجأوا بسبب ذلك الى ممارسة العنف و القسوة و السادية على الاخر- حتى و ان كان هذا الاخر مثلهم فى الدرجة اى يهودى مثلهم – من اجل الشعور بانسانيتهم و اقامة رابط او صلة مع الاخر ! و لكى يشعروا انهم مثلهم مثل البقية ، و قد ساعد زمن تلك الاحداث على تقوية هذا الشعور ، حيث انه فى هذا الزمن قد بدأ يظهر التيار الدينى ليأخذ وضعه داخل المجتمع الاسرائيلي و يرى اهل التيار الدينى انهم يعملون عمل الرب و انهم المتحكمون فى مصير الاخرين و ان السلطة العليا فى يدهم هم و ذلك قوّى الاحساس لدى الفرد الاسرائيلى بالسادية .
و قد اشار ا.ب يهوشواع من خلال قصته الى التيار الدينى و ما يمكن ان يحدث اذا صعد الى السلطة و تحكم فى شئون الدولة و ما يمكن ان ينتج من دمار للمجتمع و الدولة و فساد فى المعايير الاخلاقية و المبادئ الانسانية و انعدام الضمير الانسانى لد الفرد الاسرائيلى ، فقد وجه لهم نقدا لازعا من خلال شخصية السيد قناءوت كما ذكرنا من قبل .
و قد نبه يهوشواع من الفجوة التى يمكن ان تحدث فى المجتمع صاحب الازدواجية فى الشخصية نتيجة لعلمانيته و تدينه ، فحدوث فجوة عميقة كهذه فى حياة الفرد الاسرائيلى تجعله هو الضحية " ركاب القطار " التى اشار اليها المؤلف فى قصته و للاسف تنبأ يهوشواع و تحققت نبؤته التى حذر منها .
* و قد حذر منها العديد من الادباء امثال حانوخ ليفين و غيره فلم يكن يهوشواع هو فقط من يرى هذه الكارثة قادمة .

سمات اسلوب ا.ب يهوشواع :

-         فى اغلب قصص يهوشواع يتقرر مشهد الرقابة المستمرة التى تنبئ بحدوث كارثة ثم تحدث عملية التفريغ و هى فى الغالب تتم فى صورة تفريغ جنسى كما فى قصة " رحلة ياتير المسائية " و يكون التفريغ فى الكارثة هنا افضل من مسئولية الانتظار المستمر من وجهة نظرهم .
-         كثيرا ما يستخدم يهوشواعالملامح الريفية فى قصصه .
-         التزم يهوشواع بالسمات الكلاسيكية التقليدية فى قصته رحلة ياتير المسائية حيث نرى انه التزم ب :
1-   وحدة الزمن : فهو لا يتعدى اليوم الواحد .
2-   وحدة المكان : فكانت الاحداث تدور فى القرية فقط .
3-   وحدة الحدث : و هو التركيز على اسقاط القطار و اصابته لخلق التواصل و الاندماج و الشعور بالانسانية من خلال العمل الغير انسانى .
-         التزم بمعايير القصة القصيرة :
-         فالاحداث هنا سريعة و مختصرة .
-         اغلب شخصيات القصة اساسية .
-         هدف القصة سريع و يصل سريعا للقارئ .
-         مدة القصة الزمنية قصيرة .
-         اكتمال العناصر الاساسية للقارئ .
-         الاحداث مرتبة بمنطقية .
-         التفاعل بين الشخصيات واضح فالشخصيات بينهم ترابط و متعاونين فى اصابة الاقطار " الهدف " .
-         راعى ا.ب يهوشواع فئة القراء و زمن قراءة القصة .
-         كان الهدف من القصة مهم فهو يستحق الدراسة .

·       ادب ا.ب يهوشواع ادب انسانى يتخطى الحاجز الاقليمى ، فهو ادب يهدف لوع المجتمع الاسرائيلى لكنه فى الوقت ذاته يصلح للعديد من المجتمعات .




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رؤية تحليلة لمشهد النهاية فى مسلسل كـفـر دلـهـاب

طب و بعدين ...

الانس و الجنس